فصل: باب من صلى في المسجد جماعة بعد إتمام الحي

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: نيل الأوطار شرح منتقى الأخبار **


 باب السعي إلى المسجد بالسكينة

1 - عن أبي قتادة قال‏:‏ ‏(‏بينما نحن نصلي مع النبي صلى اللَّه عليه وآله وسلم إذ سمع جلبة رجال فلما صلى قال‏:‏ ما شأنكم قالوا‏:‏ استعجلنا إلى الصلاة قال‏:‏ فلا تفعلوا إذا أتيتم الصلاة فعليكم السكينة فما أدركتم فصلوا وما فاتكم فأتموا‏)‏‏.‏

متفق عليه‏.‏

2 - وعن أبي هريرة‏:‏ ‏(‏عن النبي صلى اللَّه عليه وآله وسلم قال‏:‏ إذا سمعتم الإقامة فامشوا إلى الصلاة وعليكم السكينة والوقار ولا تسرعوا فما أدركتم فصلوا وما فاتكم فأتموا‏)‏‏.‏

رواه الجماعة إلا الترمذي‏.‏ ولفظ النسائي وأحمد في رواية‏:‏ ‏(‏فاقضوا‏)‏ وفي رواية لمسلم‏:‏ ‏(‏إذا ثوب بالصلاة فلا يسعى إليها أحدكم ولكن ليمش وعليه السكينة والوقار فصل ما أدركت واقض ما سبقك‏)‏‏.‏

قوله ‏(‏جلبة‏)‏ بجيم ولام وموحدة مفتوحات أي أصواتهم حال حركتهم‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏فعليكم السكينة‏)‏ ضبطه القرطبي بنصب السكينة على الإغراء وضبطه النووي بالرفع على أنها جملة في موضع الحال وفي رواية للبخاري‏:‏ ‏(‏وعليكم بالسكينة‏)‏ وقد استشكل بعضهم دخول الباء لأنه متعد بنفسه كقوله تعالى ‏{‏عليكم أنفسكم‏}‏ قال الحافظ‏:‏ وفيه نظر لثبوت زيادة الباء في الأحاديث الصحيحة كحديث ‏(‏عليكم برخصة اللَّه‏)‏ ‏(‏فعليه بالصوم‏)‏ ‏(‏وعليك بالمرأة‏)‏ ‏[‏في اختصاره كلام الحافظ إيهام أن ما ذكره الحافظ هو حديث واحد وليس كذلك بل ما ذكره الحافظ نص على أنه ثلاثة أحاديث وهاك نص عبارته‏:‏ قال وفيه نظر لثبوت زيادة الباء في الأحاديث الصحيحة كحديث ‏(‏عليكم برخصة اللَّه‏)‏ وحديث ‏(‏فعليه بالصوم فإنه له وجاء‏)‏ وحديث ‏(‏فعليك بالمرأة‏)‏ الخ ما ذكره‏.‏ واللَّه أعلم‏]‏‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏فما أدركتم‏)‏ قال الكرماني‏:‏ الفاء جواب شرط محذوف أي إذا ثبت لكم ما هو أولى بكم فما أدركتم فصلوا‏.‏

قال في الفتح‏:‏ أو التقدير إذا فعلتم فما أدركتم فصلوا أي فعلتم الذي آمركم به من السكينة وترك الإسراع‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وما فاتكم فأتموا‏)‏ أي أكملوا وقد اختلف في هذه اللفظة في حديث أبي قتادة فرواية الجمهور ‏(‏فأتموا‏)‏ ورواية معاوية بن هشام عن شيبان ‏(‏فاقضوا‏)‏ كذا ذكره ابن أبي شيبة عنه‏.‏ ومثله روى أبو داود وكذلك وقع الخلاف في حديث أبي هريرة كما ذكر المصنف‏.‏

قال الحافظ‏:‏ والحاصل أن أكثر الروايات ورد بلفظ ‏(‏فأتموا‏)‏ وأقلها بلفظ ‏(‏فاقضوا‏)‏ وإنما يظهر فائدة ذلك إذا جعلنا بين التمام والقضاء مغايرة لكن إذا كان مخرج الحديث واحدًا واختلف في لفظه منه وأمكن رد الاختلاف إلى معنى واحد كان أولى وهذا كذلك لأن القضاء وإن كان يطلق على الفائتة غالبًا لكنه يطلق على الأداء أيضًا ويرد بمعنى الفراغ كقوله تعالى ‏{‏فإذا قضيت الصلاة فانتشروا‏}‏ ويرد لمعان آخر فيحمل قوله هنا فاقضوا على معنى الأداء والفراغ فلا يغاير قوله ‏(‏فأتموا‏)‏ فلا حجة لمن تمسك برواية فاقضوا على أن ما أدركه مع الإمام هو آخر صلاته حتى يستحب له الجهر في الركعتين الآخرتين وقراءة السورة وترك القنوت بل هو أولها وإن كان آخر صلاة إمامه لآن الآخر لا يكون إلا عن شيء تقدمه‏.‏

وأوضح دليل على ذلك أنه يجب عليه أن يتشهد في آخر صلاته على كل حال فلو كان ما يدركه مع الإمام آخرًا له لما احتاج إلى إعادة التشهد وقول ابن بطال أنه ما تشهد إلا لأجل السلام لأن السلام يحتاج إلى سبق تشهد ليس بالجواب الناهض على دفع الإيراد المذكور‏.‏

واستدل ابن المنذر لذلك أيضًا أنهم أجمعوا على أن تكبيرة الافتتاح لا تكون إلا في الركعة الأولى وقد عمل بمقتضى اللفظين الجمهور فإنهم قالوا إن ما أدرك مع الإمام هو أول صلاته إلا أنه يقضي مثل الذي فاته من قراءة السورة مع أم القرآن في الرباعية لكن لم يستحبوا له إعادة الجهر في الركعتين الباقيتين وكان الحجة فيه قول علي عليه السلام‏:‏ ‏"‏ما أدركت مع الإمام فهو أول صلاتك واقض ما سبقك به من القرآن‏"‏ أخرجه البيهقي‏.‏ وعن إسحاق والمزني أنه لا يقرأ إلا أم القرآن فقط قال الحافظ‏:‏ وهو القياس‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏إذا سمعتم الإقامة‏)‏ هو أخص من قوله في حديث أبي قتادة ‏(‏إذا أتيتم الصلاة‏)‏ لكن الظاهر أنه في مفهوم الموافقة وأيضًا سامع الإقامة لا يحتاج إلى الإسراع لأنه يتحقق إدراك الصلاة كلها فينتهي عن الإسراع من باب الأولى‏.‏ وقد لحظ بعضهم معنى غير هذا فقال‏:‏ الحكمة في التقييد بالإقامة أن المسرع إذا أقيمت الصلاة يصل إليها فيقرأ في تلك الحال فلا يحصل تمام الخشوع في الترتيل وغيره بخلاف من جاء قبل ذلك فإن الصلاة قد لا تقام حتى يستريح وفيه أنه لا يكره الإسراع لمن جاء قبل الإقامة وهو مخالف لصريح قوله ‏(‏إذا أتيتم الصلاة‏)‏ لأنه يتناول ما قبل الإقامة وإنما قيد الحديث الثاني بالإقامة لأن ذلك هو الحامل في الغالب على الإسراع‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏والوقار‏)‏ قال عياض والقرطبي‏:‏ هو بمعنى السكينة وذكر على سبيل التأكيد‏.‏ وقال النووي‏:‏ الظاهر أن بينهما فرقًا وإن السكينة التأني في الحركات واجتناب العبث والوقار في الهيئة بغض البصر وخفض الصوت وعدم الالتفات‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏ولا تسرعوا‏)‏ فيه زيادة تأكيد فيستفاد منه الرد على من أوَّلَ قوله في حديث أبي قتادة فلا تفعلوا بالاستعجال المفضي إلى عدم الوقار وأما الإسراع الذي لا ينافي الوقار لمن خاف فوت التكبيرة فلا كذا روي عن إسحاق بن راهويه‏.‏

والحديثان يدلان على مشروعية المشي إلى الصلاة على سكينة ووقار وكراهية الإسراع والسعي‏.‏ والحكمة في ذلك ما نبه عليه صلى اللَّه عليه وآله وسلم كما وقع عند مسلم من حديث أبي هريرة بلفظ‏:‏ ‏(‏فإن أحدكم إذا كان يعمد إلى الصلاة فهو في صلاة‏)‏ أي أنه في حكم المصلي فينبغي له اعتماد ما ينبغي للمصلي اعتماده واجتناب ما ينبغي للمصلي اجتنابه‏.‏

وقد استدل بحديثي الباب أيضًا على أن من أدرك الإمام راكعًا لم تحسب له تلك الركعة للأمر بإتمام ما فاته لأنه فاته القيام والقراءة فيه‏.‏

قال في الفتح‏:‏ وهو قول أبي هريرة وجماعة بل حكاه البخاري في جزء القراءة خلف الإمام عن كل من ذهب إلى وجوب القراءة خلف الإمام واختاره ابن خزيمة والضبعي وغيرهما من الشافعية وقواه الشيخ تقي الدين السبكي من المتأخرين وقد قدمنا البحث عن هذا في باب ما جاء في قراءة المأموم وإنصاته إذا سمع إمامه‏.‏

قال المصنف رحمه اللَّه بعد أن ساق الحديثين ما لفظه‏:‏ وفيه حجة لمن قال إن ما أدركه المسبوق آخر صلاته واحتج من قال بخلافه بلفظة الإتمام انتهى‏.‏ وقد عرفت الجمع بين الروايتين‏.‏

 باب ما يؤمر به الإمام من التخفيف

1 - وعن أبي هريرة‏:‏ ‏(‏أن النبي صلى اللَّه عليه وسلم قال‏:‏ إذا صلى أحدكم للناس فليخفف فإن فيهم الضعيف والسقيم والكبير فإذا صلى لنفسه فليطول ما شاء‏)‏‏.‏

رواه الجماعة إلا ابن ماجه لكنه له من حديث عثمان ابن أبي العاص‏.‏

2 - وعن أنس قال‏:‏ ‏(‏كان النبي صلى اللَّه عليه وآله وسلم يؤخر الصلاة ويكملها‏)‏‏.‏ وفي رواية‏:‏ ‏(‏ما صليت خلف إمام قط أخف صلاة ولا أتم صلاة من النبي صلى اللَّه عليه وسلم‏)‏‏.‏

متفق عليهما‏.‏

3 - وعن أنس‏:‏ ‏(‏عن النبي صلى اللَّه عليه وآله وسلم قال‏:‏ إني لأدخل في الصلاة وأنا أريد إطالتها فأسمع بكاء الصبي فأتجوز في صلاتي مما أعلم من شدة وجد أمه من بكائه‏)‏‏.‏

رواه الجماعة إلا أبا داود والنسائي لكنه لهما من حديث أبي قتادة‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏فليخفف‏)‏ قال ابن دقيق العيد‏:‏ التطويل والتخفيف من الأمور الإضافية فقد يكون الشيء خفيفًا بالنسبة إلى عادة قوم طويلًا بالنسبة إلى عادة آخرين قال‏:‏ وقول الفقهاء لا يزيد الإمام في الركوع والسجود على ثلاث تسبيحات لا يخالف ما ورد عن النبي صلى اللَّه عليه وآله وسلم أنه كان يزيد على ذلك لأن رغبة الصحابة في الخير لا تقتضي أن يكون ذلك تطويلًا‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏فإن فيهم‏)‏ في رواية في البخاري للكشميهني ‏(‏فإن منهم‏)‏ وفي رواية ‏(‏فإن خلفه‏)‏ وهو تعليل للأمر بالتخفيف ومقتضاه أنه متى لم يكن فيهم من يتصف بإحدى الصفات المذكورات لم يضر التطويل ويرد عليه أنه يمكن أن يجيء من يتصف بأحدها بعد الدخول في الصلاة‏.‏ وقال اليعمري‏:‏ الأحكام إنما تناط بالغالب لا بالصورة النادرة فينبغي للأئمة التخفيف مطلقًا قال‏:‏ وهذا كما شرع القصر في صلاة المسافر وهي مع ذلك تشرع ولو لم تشق عملًا بالغالب لأنه لا يدري ما يطرأ عليه وهنا كذلك‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏فإن فيهم الضعيف والسقيم والكبير‏)‏ المراد بالضعيف هنا ضعيف الخلقة وبالسقيم من به مرض‏.‏ وفي رواية للبخاري‏:‏ ‏(‏فإن منهم المريض والضعيف‏)‏ والمراد بالضعيف في هذه الرواية ضعيف الخلقة بلا شك‏.‏

وفي رواية للبخاري أيضًا عن ابن مسعود‏:‏ ‏(‏فإن فيهم الضعيف والكبير وذا الحاجة‏)‏ وكذلك في رواية أخرى له من حديثه والمراد بالضعيف في هاتين الروايتين المريض ويصح أن يراد من فيه ضعف وهو أعم من الحاصل بالمرض أو بنقصان الخلقة‏.‏ وزاد مسلم من وجه آخر في حديث أبي هريرة والصغير وزاد الطبراني من حديث عثمان بن أبي العاص والحامل والمرضع‏.‏ وله من حديث عدي ابن حاتم والعابر السبيل‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏فليطول ما شاء‏)‏ ولمسلم‏:‏ ‏(‏فليصل كيف شاء‏)‏ أي مخففًا أو مطولًا‏.‏ واستدل بذلك على جواز إطالة القراءة ولو خرج الوقت وهو المصحح عند بعض الشافعية‏.‏

قال الحافظ‏:‏ وفيه نظر لأنه يعارضه عموم قوله في حديث أبي قتادة‏:‏ ‏(‏إنما التفريط أن تؤخر الصلاة حتى يدخل وقت الأخرى‏)‏ أخرجه مسلم‏.‏ وإذا تعارضت مصلحة المبالغة في الكمال بالتطويل ومفسدة إيقاع الصلاة في غير وقتها كان مراعاة تلك المفسدة أولى‏.‏ واستدل بعمومه أيضًا على جواز تطويل الاعتدال من الركوع وبين السجدتين‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏لكنه له من حديث عثمان ابن أبي العاص‏)‏ في إسناده محمد بن عبد اللَّه القاضي ضعفه الجمهور ووثقه ابن معين وابن سعد وقد أخرج حديث عثمان المذكور مسلم في صحيحه‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏يؤخر الصلاة ويكملها‏)‏ فيه أن مشروعية التخفيف لا تستلزم أن تبلغ إلى حد يكون بسببه عدم تمام أركان الصلاة وقراءتها وأن من سلك طريق النبي صلى اللَّه عليه وآله وسلم في الإيجاز والإتمام لا يشتكي منه تطويل‏.‏ وروى ابن أبي شيبة أن الصحابة كانوا يتمون ويوجزون ويبادرون الوسوسة فبين العلة في تخفيفهم‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏إني أدخل في الصلاة‏)‏ في رواية للبخاري‏:‏ ‏(‏إني لأقوم في الصلاة‏)‏‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وأنا أريد إطالتها‏)‏ فيه أن من قصد في الصلاة الإتيان بشيء مستحب لا يجب عليه الوفاء به خلافًا لأشهب‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏أسمع بكاء الصبي‏)‏ فيه جواز إدخال الصبيان المساجد وإن كان الأولى تنزيه المساجد عمن لا يؤمن حدثه فيها لحديث ‏(‏جنبوا مساجدكم‏)‏ وقد تقدم‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏فأتجوز‏)‏ فيه دليل على مشروعية الرفق بالمأمومين وسائر الأتباع ومراعاة مصالحهم ودفع ما يشق عليهم وإن كانت المشقة يسيرة وإيثار تخفيف الصلاة للأمر يحدث‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏لكنه لهما من حديث أبي قتادة‏)‏ هو في البخاري ولفظه‏:‏ ‏(‏إني لأدخل في الصلاة فأريد إطالتها فأسمع بكاء الصبي فأتجوز مما أعلم من شدة وجد أمه من بكائه‏)‏‏.‏

وأحاديث الباب تدل على مشروعية التخفيف للأئمة وترك التطويل للعلل المذكورة من الضعف والسقم والكبر والحاجة واشتغال خاطر أم الصبي ببكائه ويلحق بها ما كان فيه معناها‏.‏

قال أبو عمر ابن عبد البر‏:‏ التخفيف لكل إمام أمر مجمع عليه مندوب عند العلماء إليه إلا أن ذلك إنما هو أقل الكمال‏.‏ وأما الحذف والنقصان فلا لأن رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله وسلم قد نهى عن نقر الغراب ورأى رجلًا يصلي فلم يتم ركوعه فقال له‏:‏ ارجع فصل فإنك لم تصل وقال‏:‏ لا ينظر اللَّه إلى من لا يقيم صلبه في ركوعه وسجوده ثم قال‏:‏ لا أعلم خلافًا بين أهل العلم في استحباب التخفيف لكل من أمَّ قومًا على ما شرطنا من الإتمام‏.‏

وقد روي عن عمر بن الخطاب أنه قال‏:‏ لا تبغضوا اللَّه إلى عباده يطول أحدكم في صلاته حتى يشق على من خلفه انتهى‏.‏

وقد ورد في مشروعية التخفيف أحاديث غير ما ذكره المصنف منها عن عدي بن حاتم عند ابن أبي شيبة‏.‏ وعن سمرة عند الطبراني‏.‏ وعن مالك بن عبد اللَّه الخزاعي عند الطبراني أيضًا‏.‏ وعن أبي واقد الليثي عند الطبراني أيضًا‏.‏ وعن ابن مسعود عند البخاري ومسلم‏.‏ وعن جابر بن عبد اللَّه عند البخاري ومسلم أيضًا‏.‏ وعن ابن عباس عند ابن أبي شيبة‏.‏ وعن حزم بن أبي بن كعب الأنصاري عند أبي داود‏.‏ وعن رجل من بني سلمة يقال له سليم من الصحابة عند أحمد‏.‏ وعن بريدة عند أحمد أيضًا‏.‏ وعن ابن عمر عند النسائي‏.‏

 باب إطالة الإمام الركعة الأولى وانتظار من أحس به داخلًا ليدرك الركعة

فيه عن أبي قتادة وقد سبق‏.‏

1 - وعن أبي سعيد‏:‏ ‏(‏لقد كانت الصلاة تقام فيذهب الذاهب إلى البقيع فيقضي حاجته ثم يتوضأ ثم يأتي ورسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله وسلم في الركعة الأولى مما يطولها‏)‏‏.‏

رواه أحمد ومسلم وابن ماجه والنسائي‏.‏

2 - وعن محمد بن جحادة عن رجل عن عبد اللَّه بن أبي أوفى‏:‏ ‏(‏أن النبي صلى اللَّه عليه وآله وسلم كان يقوم في الركعة الأولى من صلاة الظهر حتى لا يسمع وقع قدم‏)‏‏.‏

رواه أحمد وأبو داود‏.‏

حديث أبي قتادة تقدم مع شرحه في باب السورة بعد الفاتحة في الأوليين من أبواب صفة الصلاة وفيه بعد ذكر أنه كان يطول في الأولى قال‏:‏ فظننا أنه يريد بذلك أن يدرك الناس الركعة الأولى‏.‏

وحديث عبد اللَّه بن أبي أوفى أخرجه أيضًا البزار وسياقه أتم وفي إسناده رجل مجهول لا يعرف وسماه بعضهم طرفة الحضرمي وهو مجهول كما قال الأزدي وفيه وفي حديث أبي قتادة وأبي سعيد مشروعية التطويل في الركعة الأولى من صلاة الظهر وغيرها وقد قدمنا الكلام على ذلك في أبواب صفة الصلاة‏.‏

‏[‏وقد استدل‏]‏ القائلون بمشروعية تطويل الركعة الأولى لانتظار الداخل ليدرك فضيلة الجماعة بتلك الرواية التي ذكرناها من حديث أبي قتادة أعني قوله فظننا أنه يريد بذلك أن يدرك الناس الركعة الأولى‏.‏

واستدلوا أيضًا بحديث ابن أبي أوفى المذكور في الباب وقد حكى استحباب ذلك ابن المنذر عن الشعبي والنخعي وأبي مجلز وابن أبي ليلى من التابعين‏.‏ وقد نقل الاستحباب أبو الطيب الطبري عن الشافعي في الجديد وفي التجريد للمحاملي نسبة ذلك إلى القديم وإن الجديد كراهته‏.‏

وذهب أبو حنيفة ومالك والأوزاعي وأبو يوسف وداود والهادوية إلى كراهة الانتظار واستحسنه ابن المنذر وشدد في ذلك بعضهم وقال‏:‏ أخاف أن يكون شركًا وهو قول محمد بن الحسن وبالغ بعض أصحاب الشافعي فقال‏:‏ إنه مبطل للصلاة‏.‏

وقال أحمد وإسحاق فيما حكاه عنهما ابن بطال إن كان الانتظار لا يضر بالمأمومين جاز وإن كان مما يضر ففيه الخلاف‏.‏

وقيل إن كان الداخل ممن يلازم الجماعة انتظره الإمام وإلا فلا روى ذلك النووي في شرح المهذب عن جماعة من السلف‏.‏

‏[‏وقد استدل‏]‏ الخطابي في المعالم على الانتظار المذكور بحديث أنس المتقدم في الباب الأول في التخفيف عند سماع بكاء الصبي فقال‏:‏ فيه دليل على أن الإمام وهو راكع إذا أحس بداخل يريد الصلاة معه كان له أن ينتظره راكعًا ليدرك فضيلة الركعة في الجماعة لأنه إذا كان له أن يحذف من طول الصلاة لحاجة إنسان في بعض أمور الدنيا كان له أن يزيد فيها لعبادة اللَّه تعالى بل هو أحق بذلك وأولى وكذلك قال ابن بطال‏:‏ وتعقبهما ابن المنير والقرطبي بأن التخفيف ينافي التطويل فكيف يقاس عليه‏.‏

قال ابن المنير‏:‏ وفيه مغايرة للمطلوب لأن فيه إدخال مشقة على جماعة لأجل واحد وهذا لا يرد على أحمد وإسحاق لتقييدهما الجواز بعدم الضر للمؤتمين كما تقدم وما قالاه هو أعدل المذاهب في المسألة وبمثله قال أبو ثور‏.‏

 باب وجوب متابعة الإمام والنهي عن مسابقته

1 - عن أبي هريرة‏:‏ ‏(‏أن رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله وسلم قال‏:‏ إنما جعل الإمام ليؤتم به فلا تختلفوا عليه فإذا كبر فكبروا وإذا ركع فاركعوا وإذا قال سمع اللَّه لمن حمده فقولوا اللَّهم ربنا لك الحمد وإذا سجد فاسجدوا وإذا صلى قاعدًا فصلوا قعودًا أجمعون‏)‏‏.‏

متفق عليه‏.‏ وفي لفظ‏:‏ ‏(‏إنما الإمام ليؤتم به فإذا كبر فكبروا ولا تكبروا حتى يكبر وإذا ركع فاركعوا ولا تركعوا حتى يركع وإذا سجد فاسجدوا ولا تسجدوا حتى يسجد‏)‏‏.‏ رواه أحمد وأبو داود ‏.‏

في الباب غير ما ذكر المصنف عن عائشة عند الشيخين وأبي داود وابن ماجه‏.‏ وعن جابر عند مسلم وأبي داود والنسائي وابن ماجه‏.‏ وعن ابن عمر عند أحمد والطبراني‏.‏ وعن معاوية عند الطبراني في الكبير‏.‏ قال العراقي‏:‏ ورجاله رجال الصحيح‏.‏ وعن أسيد بن حضير عند أبي داود وعبد الرزاق‏.‏ وعن قيس بن فهد عند عبد الرزاق أيضًا‏.‏ وعن أبي أمامة عند ابن حبان في صحيحه‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏إنما جعل الإمام ليؤتم به‏)‏ لفظ إنما من صيغ الحصر عند جماعة من أئمة الأصول والبيان‏.‏ ومعنى الحصر فيها إثبات الحكم في المذكور ونفيه عما عداه واختار الآمدي أنها لا تفيد الحصر وإنما تفيد تأكيد الإثبات فقط ونقله أبو حيان عن البصريين‏.‏ وفي كلام الشيخ تقي الدين بن دقيق العيد ما يقتضي نقل الاتفاق على إفادتها للحصر ‏[‏ونص عبارته في شرح العمدة هكذا‏:‏ إنما للحصر على ما تقرر في الأصول كما فهم ابن عباس من قوله ‏(‏إنما الربا في النسيئة‏)‏ وعورض بدليل آخر يقتضي تحريم ربا الفضل ولم يعارض في فهمه للحصر وفي ذلك اتفاق على أنها للحصر اهـ‏.‏

والدليل الذي عارض فهمه هو قوله صلى اللَّه عليه وآله وسلم‏:‏ ‏(‏التمر بالتمر والحنطة بالحنطة والشعير بالشعير والملح بالملح مثلًا بمثل يدًا بيد فمن زاد أو استزاد فقد أربى‏)‏ رواه مسلم في صحيحه وغيره‏.‏ وقد تعرضت لذلك في تعليقي على باب الربا منه واللَّه أعلم‏]‏‏.‏ والمراد بالحصر هنا حصر الفائدة في الإقتداء بالإمام والإتباع له ومن شأن التابع أن لا يتقدم على المتبوع ومقتضى ذلك أن لا يخالفه في شيء من الأحوال التي فصلها الحديث ولا في غيرها قياسًا عليها ولكن ذلك مخصوص بالأفعال الظاهرة لا الباطنة وهي ما لا يطلع عليه المأموم كالنية فلا يضر الاختلاف فيها فلا يصح الاستدلال به على من جوز ائتمام من يصلي الظهر بمن يصلي العصر ومن يصلي الأداء بمن يصلي القضاء ومن يصلي الفرض بمن يصلي النفل وعكس ذلك وعامة الفقهاء على ارتباط صلاة المأموم بصلاة الإمام وترك مخالفته له في نية أو غيرها لأن ذلك من الاختلاف وقد نهى عنه صلى اللَّه عليه وآله وسلم بقوله‏:‏ ‏(‏فلا تختلفوا‏)‏‏.‏ وأجيب بأنه صلى اللَّه عليه وآله وسلم قد بين وجوه الاختلاف فقال‏:‏ ‏(‏فإذا كبر فكبروا‏)‏ الخ ويتعقب بإلحاق غيرها بها قياسًا كما تقدم‏.‏

وقد استدل بالحديث أيضًا القائلون بأن صحة صلاة المأموم لا تتوقف على صحة صلاة الإمام إذا بان جنبًا أو محدثًا أو عليه نجاسة خفية وبذلك صرح أصحاب الشافعي بناء على اختصاص النهي عن الاختلاف بالأمور المذكورة في الحديث أو بالأمور التي يمكن المؤتم الإطلاع عليها‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏فإذا كبر كبروا‏)‏ فيه أن المأموم لا يشرع في التكبير إلا بعد فراغ الإمام منه وكذلك الركوع والرفع منه والسجود‏.‏

ويدل على ذلك أيضًا قوله في الرواية الثانية ولا تكبروا ولا تركعوا ولا تسجدوا وكذلك سائر الروايات المشتملة على النهي وسيأتي‏.‏

وقد اختلف في ذلك هل هو على سبيل الوجوب أو الندب والظاهر الوجوب من غير فرق بين تكبيرة الإحرام وغيرها‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وإذا قال سمع اللَّه لمن حمده فقولوا اللَّهم ربنا لك الحمد‏)‏ فيه دليل لمن قال أنه يقتصر المؤتم في ذكر الرفع من الركوع على قوله ربنا لك الحمد وقد قدمنا بسط ذلك في باب ما يقول في رفعه من الركوع من أبواب صفة الصلاة وقدمنا أيضًا الكلام على اختلاف الروايات في زيادة الواو وحذفها‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وإذا صلى قاعدًا فصلوا قعودًا‏)‏ فيه دليل لمن قال أن المأموم يتابع الإمام في الصلاة قاعدًا وإن لم يكن المأموم معذورًا وإليه ذهب أحمد وإسحاق والأوزاعي وأبو بكر ابن المنذر وداود وبقية أهل الظاهر وسيأتي الكلام على ذلك في باب إقتداء القادر على القيام بالجالس‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏أجمعون‏)‏ كذا في أكثر الروايات بالرفع على التأكيد لضمير الفاعل في قوله ‏(‏صلوا‏)‏ وفي بعضها بالنصب على الحال‏.‏

2 - وعن أبي هريرة قال‏:‏ ‏(‏قال رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله وسلم‏:‏ أما يخشى أحدكم إذا رفع رأسه قبل الإمام أن يحول اللَّه رأسه رأس حمار أو يحول اللَّه صورته صورة حمار‏)‏‏.‏

رواه الجماعة‏.‏

3 - وعن أنس قال‏:‏ ‏(‏قال رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم‏:‏ أيها الناس إني إمامكم فلا تسبقوني بالركوع ولا بالسجود ولا بالقيام ولا بالقعود ولا بالانصراف‏)‏‏.‏

رواه أحمد ومسلم‏.‏

4 - وعنه‏:‏ ‏(‏أن النبي صلى اللَّه عليه وآله وسلم قال‏:‏ إنما جعل الإمام ليؤتم به فلا تركعوا حتى يركع ولا ترفعوا حتى يرفع‏)‏‏.‏

رواه البخاري‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏أما يخشى أحدكم‏)‏ أما مخففة حرف استفتاح مثل ألا وأصلها ما النافية دخلت عليها همزة الاستفهام وهي هنا استفهام توبيخ‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏إذا رفع رأسه قبل الإمام‏)‏ زاد ابن خزيمة في صلاته والمراد الرفع من السجود ويدل على ذلك ما وقع في رواية حفص ابن عمر ‏(‏الذي يرفع رأسه والإمام ساجد‏)‏ وفيه تعقب على من قال أن الحديث نص في المنع من تقدم المأموم في الرفع من الركوع والسجود معًا وليس كذلك بل هو نص في السجود ويلتحق به الركوع لكونه في معناه ويمكن الفرق بينهما بأن السجود له مزيد مزية لأن العبد أقرب ما يكون فيه من ربه وأما التقدم على الإمام في الخفض للركوع والسجود فقيل يلتحق به من باب الأولى لأن الاعتدال والجلوس بين السجدتين من الوسائل والركوع والسجود من المقاصد وإذا دل الدليل على وجوب الموافقة فيما هو وسيلة فأولى أن يجب فيما هو مقصد‏.‏

قال الحافظ‏:‏ ويمكن أن يقال ليس هذا بواضح لأن الرفع من الركوع والسجود يستلزم قطعه عن غاية كماله قال‏:‏ وقد ورد الزجر عن الرفع والخفض قبل الإمام من حديث أخرجه البزار عن أبي هريرة مرفوعًا‏:‏ ‏(‏الذي يخفض ويرفع قبل الإمام إنما ناصيته بيد شيطان‏)‏‏.‏

وأخرجه عبد الرزاق من هذا الوجه موقوفًا وهو المحفوظ‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏أو يحول اللَّه صورته‏)‏ الخ الشك من شعبة وقد رواه الطيالسي عن حماد بن سلمة وابن خزيمة عن حماد بن زيد ومسلم عن يونس بن عبيد والربيع بن مسلم كلهم عن محمد بن زياد بغير تردد فأما الحمادان فقالا رأس‏.‏ وأما الربيع فقال وجه وأما يونس فقال صورة والظاهر أنه من تصرف الرواة‏.‏ قال عياض‏:‏ هذه الروايات متفقة لأن الوجه في الرأس ومعظم الصورة فيه‏.‏

قال الحافظ‏:‏ لفظ الصورة يطلق على الوجه أيضًا وأما الرأس فرواتها أكثر وهي أشمل فهي المعتمد وخص وقوع الوعيد عليها لأن بها وقعت الجناية‏.‏

وظاهر الحديث يقتضي تحريم الرفع قبل الإمام لكونه توعد عليه بالمسخ وهو أشد العقوبات وبذلك جزم النووي في شرح المهذب ومع القول بالتحريم فالجمهور على أن فاعله يأثم وتجزئه صلاته‏.‏ وعن ابن عمر يبطل وبه قال أحمد في رواية وأهل الظاهر بناء على أن النهي يقتضي الفساد والوعيد بالمسخ في معناه‏.‏ وقد ورد التصريح بالنهي في رواية أنس المذكورة في الباب عن السبق بالركوع والسجود والقيام والقعود وقد اختلف في معنى الوعيد المذكور فقيل يحتمل أن يرجع ذلك إلى أمر معنوي فإن الحمار موصوف بالبلادة فاستعير هذا المعنى للجاهل بما يجب عليه من فرض الصلاة ومتابعة الإمام ويرجح هذا المجاز أن التحويل لم يقع مع كثرة الفاعلين ولكن ليس في الحديث ما يدل على أن ذلك يقع ولا بد وإنما يدل على كون فاعله متعرضًا لذلك ولا يلزم من التعرض للشيء وقوعه وقيل هو على ظاهره إذ لا مانع من جواز وقوع ذلك وقد وردت أحاديث كثيرة تدل على جواز وقوع المسخ في هذه الأمة وأما ما ورد من الأدلة القاضية برفع المسخ عنها فهو المسخ العام ومما يبعد المجاز المذكور ما عند ابن حبان بلفظ‏:‏ ‏(‏أن يحول اللَّه رأسه رأس كلب‏)‏ لانتفاء المناسبة التي ذكروها من بلادة الحمار‏.‏

ومما يبعده أيضًا إيراد الوعيد بالأمر المستقبل وباللفظ الدال على تغيير الهيئة الحاصلة ولو كان المراد التشبيه بالحمار لأجل البلادة لقال مثلًا فرأسه رأس حمار ولم يحسن أن يقال له إذا فعلت ذلك صرت بليدًا مع أن فعله المذكور إنما نشأ عن البلادة‏.‏

‏[‏واستدل‏]‏ بالأحاديث المذكورة على جواز المقارنة ورد بأنها دلت بمنطوقها على منع المسابقة وبمفهومها على طلب المتابعة وأما المقارنة فمسكوت عنها‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏ولا بالانصراف‏)‏ قال النووي‏:‏ المراد بالانصراف السلام انتهى‏.‏ ويحتمل أن يكون المراد النهي عن الانصراف من مكان الصلاة قبل الإمام لفائدة أن يدرك المؤتم الدعاء أو لاحتمال أن يكون الإمام قد حصل له في صلاته سهو فيذكر وهو في المسجد ويعود له كما في قصة ذي اليدين‏.‏

وقد أخرج أبو داود عن ابن عباس‏:‏ ‏(‏أن النبي صلى اللَّه عليه وآله وسلم حضهم على الصلاة ونهاهم أن ينصرفوا قبل انصرافه من الصلاة‏)‏‏.‏

وأخرج الطبراني في الكبير عن ابن مسعود بإسناد رجاله ثقات أنه قال‏:‏ ‏(‏إذا سلم الإمام وللرجل حاجة فلا ينتظره إذا سلم أن يستقبله بوجهه وإن فصل الصلاة التسليم‏)‏ وروى عنه أنه كان إذا سلم لم يلبث أن يقوم أو يتحول من مكانه‏.‏

 باب انعقاد الجماعة باثنين أحدهما صبي أو امرأة

1 - عن ابن عباس قال‏:‏ ‏(‏بت عند خالتي ميمونة فقام النبي صلى اللَّه عليه وآله وسلم يصلي من الليل فقمت أصلي معه فقمت عن يساره فأخذ برأسي وأقامني عن يمينه‏)‏‏.‏

رواه الجماعة‏.‏ وفي لفظ‏:‏ ‏(‏صليت مع النبي صلى اللَّه عليه وآله وسلم وأنا يومئذ ابن عشر وقمت إلى جنبه عن يساره فأقامني عن يمينه قال وأنا يومئذ ابن عشر سنين‏)‏ رواه أحمد‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏بت‏)‏ في رواية ‏(‏نمت‏)‏‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏يصلي من الليل‏)‏ قد تقدم الكلام في صلاة الليل‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وأقامني عن يمينه‏)‏ يحتمل المساواة ويحتمل التقدم والتأخر قليلًا‏.‏ وفي رواية ‏(‏فقمت إلى جنبه‏)‏ وهو ظاهر في المساواة‏.‏

وعن بعض أصحاب الشافعي يستحب أن يقف المأموم دونه قليلًا وليس عليه فيما أعلم دليل‏.‏ وفي الموطأ عن عبد اللَّه بن مسعود قال‏:‏ دخلت على عمر بن الخطاب الهاجرة فوجدته يسبح فقمت وراءه فقربني حتى جعلني حذاءه عن يمينه‏.‏

والحديث له فوائد كثيرة منه ما بوب له المصنف من انعقاد الجماعة باثنين أحدهما صبي وليس على قول من منع من انعقاد إمامة من معه صبي فقط دليل ولم يستدل لهم في البحر إلا بحديث رفع القلم ورفع القلم لا يدل على عدم صحة صلاته وانعقاد الجماعة به ولو سلم لكان مخصصًا بحديث ابن عباس ونحوه وقد ذهب إلى أن الجماعة لا تنعقد بصبي الهادي والناصر والمؤيد باللَّه وأبو حنيفة وأصحابه وذهب أصحاب الشافعي والإمام يحيى إلى الصحة من غير فرق بين الفرض والنفل‏.‏

وذهب مالك وأبو حنيفة في رواية عنه إلى الصحة في النافلة‏.‏ ومنها صحة صلاة النوافل جماعة وقد تقدم بعض الكلام على ذلك وسيأتي بقيته‏.‏ ومنها أن موقف المؤتم عن يمين الإمام‏.‏ وقال سعيد بن المسيب‏:‏ إن موقف المؤتم الواحد عن يسار الإمام ولم يتابع على ذلك لمخالفته للأدلة وقد اختلف في صحة صلاة من وقف عن اليسار فقيل لا تبطل بل هي صحيحة وهو قول الجمهور وتمسكوا بعدم بطلان صلاة ابن عباس لوقوفه عن اليسار لتقريره صلى اللَّه عليه وآله وسلم له على أول صلاته وقيل تبطل وإليه ذهب أحمد والهادوية قالوا وتقريره صلى اللَّه عليه وآله وسلم لابن عباس لا يدل على صحة صلاة من وقف من أول الصلاة إلى آخرها عن اليسار عالمًا وغاية ما فيه تقرير من جهل الموقف والجهل عذر وسيأتي الكلام على الموقف للمؤتم الواحد والاثنين والجماعة في أبواب مواقف الإمام والمأموم‏.‏

ومنها جواز الائتمام بمن لم ينو الإمامة وقد بوب البخاري لذلك وفي المسألة خلاف والأصح عند الشافعية أنه لا يشترط لصحة الإقتداء أن ينوي الإمام الإمامة واستدل بذلك ابن المنذر بحديث أنس‏:‏ ‏(‏أن النبي صلى اللَّه عليه وآله وسلم صلى في رمضان قال‏:‏ فجئت فقمت إلى جنبه وجاء آخر فقام إلى جنبي حتى كنا رهطًا فلما أحس النبي صلى اللَّه عليه وآله وسلم بنا تجوز في صلاته‏)‏ الحديث‏.‏ وسيأتي وهو ظاهر في أنه لم ينو الإمامة ابتداء وائتموا هم به ابتداء وأقرهم وهو حديث صحيح أخرجه مسلم وعلقه البخاري وذهب أحمد إلى الفرق بين النافلة والفريضة فشرط أن ينوي في الفريضة دون النافلة وفيه نظر لحديث أبي سعيد‏:‏ ‏(‏أن النبي صلى اللَّه عليه وآله وسلم رأى رجلًا يصلي وحده فقال‏:‏ ألا رجل يتصدق على هذا فيصلي معه‏)‏ أخرجه أبو داود وقد حسنه الترمذي وصححه ابن خزيمة وابن حبان والحاكم‏.‏

2 - وعن أبي سعيد وأبي هريرة قالا‏:‏ ‏(‏قال رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم‏:‏ من استيقظ من الليل وأيقظ أهله فصليا ركعتين جميعًا كتبا من الذاكرين اللَّه كثيرًا والذاكرات‏)‏‏.‏

رواه أبو داود‏.‏

الحديث ذكر أبو داود أن بعضهم لم يرفعه ولا ذكر أبا هريرة وجعله كلام أبي سعيد وبعضهم رواه موقوفًا وقد أخرجه النسائي وابن ماجه مسندًا‏.‏ وفيه مشروعية إيقاظ الرجل أهله بالليل للصلاة وقد أخرج أبو داود والنسائي وابن ماجه عن أبي هريرة قال‏:‏ ‏(‏قال رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله وسلم‏:‏ رحم اللَّه رجلًا قام من الليل فصلى وأيقظ امرأته فإن أبت نضح في وجهها الماء رحم اللَّه امرأة قامت من الليل فصلت وأيقظت زوجها فإن أبى نضحت في وجهه الماء‏)‏ وفي إسناده محمد بن عجلان وقد وثقه أحمد ويحيى وأبو حاتم واستشهد به البخاري وأخرج له مسلم في المتابعة وتكلم فيه بعضهم‏.‏

وحديث الباب استدل به على صحة الإمامة وانعقادها برجل وامرأة وإلى ذلك ذهب الفقهاء ولكنه لا يخفى أن قوله ‏(‏فصليا ركعتين جميعًا‏)‏ محتمل لأنه يصدق عليهما إذا صلى كل واحد منهما ركعتين منفردًا أنهما صليا جميعًا ركعتين أي كل واحد منهما فعل الركعتين ولم يفعلهما أحدهما فقط ولكن الأصل صحة الجماعة وانعقادها بالمرأة مع الرجل كما تنعقد بالرجل مع الرجل ومن منع من ذلك فعليه الدليل ويؤيد ذلك ما أخرجه الإسماعيلي في مستخرجه عن عائشة أنها قالت‏:‏ ‏(‏كان النبي صلى اللَّه عليه وآله وسلم إذا رجع من المسجد صلى بنا‏)‏ وقال‏:‏ إنه حديث غريب‏.‏

وقد روى الشافعي وابن أبي شيبة والبخاري تعليقًا عن عائشة أنها كانت تأتم بغلامها وحكى المهدي في البحر عن العترة أنه لا يؤم الرجل امرأة واستدل لذلك بقوله صلى اللَّه عليه وآله وسلم‏:‏ ‏(‏أخروهن حيث أخرهن اللَّه‏)‏ وقوله‏:‏ ‏(‏شر صفوف النساء أولها‏)‏ وليس في ذلك ما يدل على المطلوب‏.‏

واستدل أيضًا بأن عليًا عليه السلام منع من ذلك قال‏:‏ وهو توقيف‏.‏ وجعله من التوقيف دعوى مجردة لأن المسألة من مسائل الاجتهاد وليس المنع مذهبًا لجميع العترة فقد صرح الهادي أنه يجوز للرجل أن يؤم بالمحارم في النوافل وجوز ذلك المنصور باللَّه مطلقًا‏.‏

 باب انفراد المأموم لعذر

ثبت أن الطائفة الأولى في صلاة الخوف تفارق الإمام وتتم وهي مفارقة لعذر‏.‏

1 - وعن أنس بن مالك قال‏:‏ ‏(‏كان معاذ بن جبل يؤم قومه فدخل حرام وهو يريد أن يسقي نخله فدخل المسجد مع القوم فلما رأى معاذًا طول تجوز في صلاته ولحق بنخله يسقيه فلما قضى معاذ الصلاة قيل له ذلك قال‏:‏ إنه لمنافق أيعجل عن الصلاة من أجل سقي نخله قال‏:‏ فجاء حرام إلى النبي صلى اللَّه عليه وآله وسلم ومعاذ عنده فقال‏:‏ يا نبي اللَّه إني أردت أن أسقي نخلًا لي فدخلت المسجد لأصلي مع القوم فلما طول تجوزت في صلاتي ولحقت بنخلي أسقيه فزعم أني منافق فأقبل النبي صلى اللَّه عليه وآله وسلم على معاذ فقال‏:‏ أفتان أنت أفتان أنت لا تطول بهم اقرأ باسم ربك الأعلى والشمس وضحاها ونحوهما‏)‏‏.‏

2 - وعن بريدة الأسلمي‏:‏ ‏(‏أن معاذ بن جبل صلى بأصحابه العشاء فقرأ فيها اقتربت الساعة فقام رجل من قبل أن يفرغ فصلى وذهب فقال له معاذ قولًا شديدًا فأتى النبي صلى اللَّه عليه وسلم فاعتذر إليه وقال‏:‏ إني كنت أعمل في نخل وخفت على الماء فقال رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله وسلم يعني لمعاذ‏:‏ صلِ بالشمس وضحاها ونحوها من السور‏)‏‏.‏

رواهما أحمد بإسناد صحيح‏.‏ فإن قيل ففي الصحيحين من حديث جابر أن ذلك الرجل الذي فارق معاذًا سلم ثم صلى وحده وهذا يدل على أنه ما بنى بل استأنف‏.‏ قيل في حديث جابر إن معاذًا استفتح سورة البقرة فعلم بذلك أنهما قصتان وقعتا في وقتين مختلفين إما لرجل أو لرجلين‏)‏‏.‏

هذه القصة قد رويت على أوجه مختلفة ففي بعضها لم يذكر تعيين السورة التي قرأها معاذ ولا تعيين الصلاة التي وقع ذلك فيها كما في رواية أنس المذكورة‏.‏ وفي بعضها أن السورة التي قرأها اقتربت الساعة والصلاة العشاء كما في حديث بريدة المذكور‏.‏

وفي بعضها أن السورة التي قرأها البقرة والصلاة العشاء كما في حديث جابر الذي أشار إليه المصنف‏.‏ وفي بعضها أن الصلاة المغرب كما في رواية أبي داود والنسائي وابن حبان‏.‏ ووقع الاختلاف أيضًا في اسم الرجل فقيل حرام بن ملحان وقيل حزم بن أبي كعب وقيل حازم وقيل سليم وقيل سليمان وقيل غير ذلك‏.‏ وقد جمع بين الروايات بتعدد القصة وممن جمع بينها بذلك ابن حبان في صحيحه‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏ثبت أن الطائفة الأولى‏)‏ الخ سيأتي بيان ذلك في كتاب صلاة الخوف‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏فدخل حرام‏)‏ بالحاء والراء المهملتين ضد حلال بن ملحان بكسر الميم وسكون اللام بعدها حاء مهملة‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏فلما طول‏)‏ يعني معاذًا وكذلك قوله فزعم‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏إني منافق‏)‏ في رواية للبخاري ‏(‏فكأن معاذًا نال منه‏)‏ وللمستملي ‏(‏تناول منه‏)‏ وفي رواية ابن عيينة‏:‏ ‏(‏فقال له‏:‏ أنافقت يا فلان فقال‏:‏ لا واللَّه لآتين رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله وسلم‏)‏ وكأن معاذًا قال ذلك أولًا ثم قاله أصحابه للرجل فبلغ ذلك النبي صلى اللَّه عليه وآله وسلم أو بلغه الرجل كما في حديث الباب وغيره‏.‏ وعند النسائي‏:‏ ‏(‏قال معاذ‏:‏ لئن أصبحت لأذكرن ذلك للنبي صلى اللَّه عليه وآله وسلم فذكر ذلك له فأرسل إليه فقال‏:‏ ما حملك على الذي صنعت فقال‏:‏ يا رسول اللَّه عملت على ناضح لي‏)‏ الحديث‏.‏ ويجمع بين الروايتين بأن معاذًا سبقه بالشكوى فلما أرسل له جاء فاشتكى من معاذ‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏أفتان أنت‏)‏ في رواية مرتين‏.‏ وفي رواية ثلاثًا‏.‏ وفي رواية أفاتن‏.‏ وفي رواية أتريد أن تكون فاتنًا‏.‏ وفي رواية ‏(‏يا معاذ لا تكن فاتنًا‏)‏ ومعنى الفتنة هنا أن التطويل يكون سببًا لخروجهم من الصلاة ولترك الصلاة في الجماعة‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏لا تطول بهم‏)‏ فيه أن التطويل منهي عنه فيكون حرامًا ولكنه أمر نسبي كما تقدم فنهيه لمعاذ عن التطويل لأنه كان يقرأ بهم سورة البقرة واقتربت الساعة‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏اقرأ بسبح اسم ربك الأعلى والشمس وضحاها‏)‏ الأمر بقراءة هاتين السورتين متفق عليه من حديث جابر كما تقدم في أبواب القراءة‏.‏ وفي رواية للبخاري من حديثه وأمره بسورتين من أوسط المفصل‏.‏ وفي رواية لمسلم بزيادة والليل إذا يغشى‏.‏ وفي رواية له بزيادة اقرأ باسم ربك الذي خلق‏.‏ وفي رواية لعبد الرزاق بزيادة الضحى‏.‏ وفي رواية للحميدي بزيادة والسماء ذات البروج وفيه أن الصلاة بمثل هذه السور تخفيف وقد يعد ذلك من لا رغبة له في الطاعة تطويلًا‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏العشاء‏)‏ كذا في معظم روايات البخاري وغيره‏.‏ وفي رواية المغرب كما تقدم فيجمع بما سلف من التعدد أو بأن المراد بالمغرب العشاء مجازًا وإلا فما في الصحيح أصح وأرجح‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏اقتربت الساعة‏)‏ في الصحيحين وغيرهما أنه قرأ بسورة البقرة كما أشار إلى ذلك المصنف‏.‏ وفي رواية لمسلم‏:‏ ‏(‏قرأ بسورة البقرة أو النساء‏)‏ على الشك‏.‏ وفي رواية للسراج قرأ بالبقرة والنساء بلا شك‏.‏ وقد قوى الحافظ في الفتح إسناد حديث بريدة ولكنه قال‏:‏ هي رواية شاذة وطريق الجمع الحمل على تعدد الواقعة كما تقدم أو ترجيح ما في الصحيحين مع عدم الإمكان كما قال بعضهم أن الجمع بتعدد الواقعة مشكل لأنه لا يظن بمعاذ أن يأمره النبي صلى اللَّه عليه وسلم بالتخفيف ثم يعود‏.‏

وأجيب عن ذلك باحتمال أن يكون معاذ قرأ أولًا بالبقرة فلما نهاه قرأ اقتربت وهي طويلة بالنسبة إلى السور التي أمره بقراءتها ويحتمل أن يكون النهي وقع أولًا لما يخشى من تنفير بعض من يدخل في الإسلام ثم لما اطمأنت نفوسهم ظن أن المانع قد زال فقرأ باقتربت لأنه سمع النبي صلى اللَّه عليه وسلم يقرأ في المغرب بالطور فصادف صاحب الشغل كذا قال الحافظ‏.‏

وجمع النووي باحتمال أن يكون قرأ في الأولى بالبقرة فانصرف رجل ثم قرأ اقتربت في الثانية فانصرف آخر وقد استدل المصنف بحديث أنس وبريدة المذكورين على جواز صلاة من قطع الائتمام بعد الدخول فيه لعذر وأتم لنفسه وجمع بينه وبين ما في الصحيحين من أنه سلم ثم استأنف بتعدد الواقعة ويمكن الجمع بأن قول الرجل تجوزت في صلاتي كما في حديث أنس‏.‏ وكذلك قوله فصلى وذهب كما في حديث بريدة لا ينافي الخروج من صلاة الجماعة بالتسليم واستئنافها فرادى والتجوز فيها لأن جميع الصلاة توصف بالتجوز كما توصف به بقيتها ويؤيد ذلك ما رواه النسائي بلفظ‏:‏ ‏(‏فانصرف الرجل فصلى في ناحية المسجد‏)‏ وفي رواية لمسلم‏:‏ ‏(‏فانحرف رجل فسلم ثم صلى وحده‏)‏ وغاية الأمر أن يكون ما في حديثي الباب محتملًا وما في الصحيحين وغيرهما مبينًا لذلك‏.‏

 باب انتقال المنفرد إمامًا في النوافل

1 - عن أنس قال‏:‏ ‏(‏كان رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله وسلم يصلي في رمضان فجئت فقمت خلفه وقام رجل فقام إلى جنبي ثم جاء آخر حتى كنا رهطًا فلما أحس رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله وسلم أننا خلفه تجوز في صلاته ثم قام فدخل منزله فصلى صلاة لم يصلها عندنا فلما أصبحنا قلنا‏:‏ يا رسول اللَّه أفطنت بنا الليلة قال‏:‏ نعم فذلك الذي حملني على ما صنعت‏)‏‏.‏

رواه أحمد ومسلم‏.‏

2 - وعن يسر بن سعيد عن زيد بن ثابت‏:‏ ‏(‏أن رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله وسلم اتخذ حجرة قال‏:‏ حسبت أنه قال من حصير في رمضان فصلى فيها ليالي فصلى بصلاته ناس من أصحابه فلما علم بهم جعل يقعد فخرج إليهم فقال‏:‏ قد عرفت الذي رأيت من صنيعكم فصلوا أيها الناس في بيوتكم فإن أفضل الصلاة صلاة المرء في بيته إلا المكتوبة‏.‏

رواه البخاري‏.‏

3 - وعن عائشة‏:‏ ‏(‏أن رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم كان يصلي في حجرته وجدار الحجرة قصير فرأى الناس شخص رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله وسلم فقام ناس يصلون بصلاته فأصبحوا فتحدثوا فقام رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله وسلم يصلي الليلة الثانية فقام ناس يصلون بصلاته‏)‏‏.‏

رواه البخاري‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏فقمت خلفه‏)‏ فيه جواز قيام الرجل الواحد خلف الإمام وسيأتي في أبواب موقف الإمام والمأموم ما يدل على خلاف ذلك‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏كنا رهطًا‏)‏ قال في القاموس‏:‏ الرهط قوم الرجل وقبيلته ومن ثلاثة أو سبعة إلى عشرة أو ما دون العشرة وما فيهم امرأة ولا واحد له من لفظه الجمع أرهط وأرهاط وأراهيط‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏فلما أحس رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله وسلم أننا خلفه تجوَّز في صلاته‏)‏ لعله فعل ذلك مخافة أن يكتب عليهم كما في سائر الأحاديث وليس في تجوزه صلى اللَّه عليه وآله وسلم ودخوله منزله ما يدل على عدم جواز ما فعلوه لأنه لو كان غير جائز لما قررهم على ذلك بعد علمه به وإعلامهم له‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏اتخذ حجرة‏)‏ أكثر الروايات بالراء‏.‏ وللكشميهني بالزاي‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏جعل يقعد‏)‏ أي يصلي من قعود لئلا يراه الناس فيأتموا به‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏من صنيعكم‏)‏ بفتح الصاد وإثبات الياء وللأكثر بضم الصاد وسكون النون وليس المراد صلاتهم فقط بل كونهم رفعوا أصواتهم وصاحوا به ليخرج إليهم وحصب بعضهم الباب لظنهم أنه نام كما ذكر ذلك البخاري في الاعتصام من صحيحه وزاد فيه‏:‏ ‏(‏حتى خشيت أن يكتب عليكم ولو كتب عليكم ما قمتم به‏)‏‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏فإن أفضل الصلاة صلاة المرء في بيته‏)‏ المراد بالصلاة الجنس الشامل لكل صلاة فلا يخرج عن ذلك إلا المكتوبة لاستثنائها وما يتعلق بالمسجد كتحيته وهل يدخل في ذلك ما وجب لعارض كالمنذورة فيه خلاف‏.‏

والمراد بالمرء جنس الرجال فلا يدخل في ذلك النساء لما تقدم من أن صلاتهن في بيوتهن المكتوبة وغيرها أفضل من صلاتهن في المساجد‏.‏ قال النووي‏:‏ إنما حث على النافلة في البيت لكونه أبعد من الرياء وأخفى وليتبرك البيت بذلك وتنزل فيه الرحمة وعلى هذا يمكن أن يخرج بقوله في بيته غيره ولو أمن فيه من الرياء‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏إلا المكتوبة‏)‏ المراد بها الصلوات الخمس قيل ويدخل في ذلك ما وجب بعارض كالمنذورة‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏في حجرته‏)‏ ظاهره أن المراد حجرة بيته ويدل عليه ذكر جدار الحجرة‏.‏ وأوضح منه رواية حماد بن زيد عن يحيى بن سعيد عند أبي نعيم بلفظ‏:‏ ‏(‏كان يصلي في حجرة من حجر أزواجه صلى اللَّه عليه وآله وسلم‏)‏ ويحتمل أن تكون الحجرة التي احتجرها في المسجد بالحصير كما في بعض الروايات وكما تقدم في حديث زيد بن ثابت‏.‏

ولأبي داود ومحمد بن نصر من وجهين آخرين عن أبي سلمة عن عائشة أنها هي التي نصبت له الحصير على باب بيتها‏.‏ قال في الفتح‏:‏ فإما أن يحمل على التعدد أو على المجاز في الجدار وفي نسبة الحجرة إليها‏.‏

والأحاديث المذكورة تدل على ما بوب له المصنف رحمه اللَّه من جواز انتقال المنفرد إمامًا في النوافل وكذلك في غيرها لعدم الفارق‏.‏ وقد قدمنا الخلاف في ذلك في باب انعقاد الجماعة باثنين‏.‏ وقد استدل البخاري في صحيحه بحديث عائشة المذكور على جواز أن يكون بين الإمام وبين القوم المؤتمين به حائط أو سترة ‏.‏

 باب الإمام ينتقل مأمومًا إذا استخلف فحضر مستخلفه

1 - عن سهل بن سعد‏:‏ ‏(‏أن رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله وسلم ذهب إلى بني عمرو بن عوف ليصلح بينهم فحانت الصلاة فجاء المؤذن إلى أبي بكر فقال‏:‏ أتصلي بالناس فأقيم قال‏:‏ نعم قال‏:‏ فصلى أبو بكر فجاء رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله وسلم والناس في الصلاة فتخلص حتى وقف في الصف فصفق الناس وكان أبو بكر لا يلتفت في الصلاة فلما أكثر الناس التصفيق التفت فرأى رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله وسلم فأشار إليه رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله وسلم أن امكث مكانك فرفع أبو بكر يديه فحمد اللَّه على ما أمره به رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله وسلم من ذلك ثم استأخر أبو بكر حتى استوى في الصف وتقدم النبي صلى اللَّه عليه وسلم فصلى ثم انصرف فقال‏:‏ يا أبا بكر ما منعك أن تثبت إذ أمرتك فقال أبو بكر‏:‏ ما كان لابن أبي قحافة أن يصلي بين يدي رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم فقال رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم‏:‏ ما لي رأيتكم أكثرتم التصفيق من نابه شيء في صلاته فليسبح فإنه إذا سبح التفت إليه وإنما التصفيق للنساء‏)‏‏.‏

متفق عليه‏.‏ وفي رواية لأحمد وأبي داود والنسائي قال‏:‏ ‏(‏كان قتال بين بني عمرو بن عوف فبلغ النبي صلى اللَّه عليه وآله وسلم فأتاهم بعد الظهر ليصلح بينهم وقال‏:‏ يا بلال إن حضرت الصلاة ولم آتِ فمر أبا بكر فليصل بالناس قال‏:‏ فلما حضرت العصر أقام بلال الصلاة ثم أمر أبا بكر فتقدم‏)‏ وذكر الحديث‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏ذهب إلى بني عمرو بن عوف‏)‏ أي ابن مالك بن الأوس والأوس أحد قبيلتي الأنصار وهما الأوس والخزرج وبنو عمرو بن عوف بطن كبير من الأوس وسبب ذهابه صلى اللَّه عليه وسلم إليهم كما في الرواية التي ذكرها المصنف وقد ذكر نحوها البخاري في الصلح من طريق محمد بن جعفر عن أبي حازم أن أهل قباء اقتتلوا حتى تراموا بالحجارة فأخبر رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله وسلم بذلك فقال‏:‏ اذهبوا نصلح بينهم‏.‏

وله فيه من رواية غسان عن أبي حازم فخرج في ناس من أصحابه وله أيضًا في الأحكام من صحيحه من طريق حماد بن زيد أن توجهه كان بعد أن صلى الظهر‏.‏ وللطبراني أن الخبر جاء بذلك وقد أذن بلال لصلاة الظهر‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏فحانت الصلاة‏)‏ أي صلاة العصر كما صرح به البخاري في الأحكام من صحيحه‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏فقال أتصلي بالناس‏)‏ في الرواية الأخرى التي ذكرها المصنف أن النبي صلى اللَّه عليه وآله وسلم هو الذي أمر بلالًا أن يأمر أبا بكر بذلك وقد أخرج نحوها ابن حبان والطبراني ولا مخالفة بين الروايتين لأنه يحمل على أنه استفهمه هل تبادر أول الوقت أو ننتظر مجيء النبي صلى اللَّه عليه وآله وسلم فرجح أبو بكر المبادرة لأنها فضيلة محققة فلا تترك لفضيلة متوهمة‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏فأقيم‏)‏ بالنصب لأنها بعد الاستفهام ويجوز الرفع على الاستئناف‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏قال نعم‏)‏ في رواية للبخاري ‏(‏إن شئت‏)‏ وإنما فوص ذلك إليه لاحتمال أن يكون عنده زيادة علم من النبي صلى اللَّه عليه وآله وسلم في ذلك‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏فصلى أبو بكر‏)‏ أي دخل في الصلاة وفي لفظ للبخاري‏:‏ ‏(‏فتقدم أبو بكر فكبر‏)‏ وفي رواية‏:‏ ‏(‏فاستفتح أبو بكر‏)‏ وبهذا يجاب عن سبب استمراره في الصلاة في مرض موته صلى اللَّه عليه وآله وسلم وامتناعه من الاستمرار في هذا المقام لأنه هناك قد مضى معظم الصلاة فحسن الاستمرار وهنا لم يمض إلا اليسير فلم يحسن‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏فتخلص‏)‏ في رواية للبخاري‏:‏ ‏(‏فجاء يمشي حتى قام عند الصف‏)‏ ولمسلم‏:‏ ‏(‏فخرق الصفوف‏)‏‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏فصفق الناس‏)‏ في رواية للبخاري‏:‏ ‏(‏فأخذ الناس في التصفيح قال سهل أتدرون ما التصفيح هو التصفيق‏)‏ وفيه أنهما مترادفان وقد تقدم التنبيه على ذلك‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وكان أبو بكر لا يلتفت‏)‏ قيل كان ذلك لعلمه بالنهي وقد تقدم الكلام عليه‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏فرفع أبو بكر يديه فحمد اللَّه‏)‏ الخ ظاهره أنه تلفظ بالحمد وادعى ابن الجوزي أنه أشار بالحمد والشكر بيده ولم يتكلم‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏أن يصلي بين يدي رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم‏)‏ تقرير النبي صلى اللَّه عليه وسلم له على ذلك على ما قاله البعض من أن سلوك طريقة الأدب خير من الامتثال ويؤيد ذلك عدم إنكاره صلى اللَّه عليه وسلم على علي عليه السلام لما امتنع من محو اسمه في قصة الحديبية‏.‏

وقد قدمنا الإشارة إلى هذا المعنى في أبواب صفة الصلاة‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏أكثرتم التصفيق‏)‏ ظاهره أن الإنكار إنما حصل لكثرته لا لمطلقه ولكن قوله ‏(‏إنما التصفيق للنساء‏)‏ يدل على منع الرجال منه مطلقًا‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏التفت إليه‏)‏ بضم المثناة على البناء للمجهول‏.‏ وفي رواية للبخاري‏:‏ ‏(‏فإنه لا يسمعه أحد حين يقول سبحان اللَّه إلا التفت‏)‏‏.‏

والحديث يدل على ما بوب له المصنف من جواز انتقال الإمام مأمومًا إذا استخلف فحضر مستخلفه وادعى ابن عبد البر أن ذلك من خصائص النبي صلى اللَّه عليه وسلم وادعى الإجماع على عدم جواز ذلك لغيره ونوقض أن الخلاف ثابت وأن الصحيح المشهور عند الشافعية الجواز وروي عن ابن القاسم الجواز أيضًا‏.‏

وللحديث فوائد ذكر المصنف رحمه اللَّه تعالى بعضها فقال‏:‏ فيه من العلم أن المشي من صف إلى صف يليه لا يبطل وأن حمد اللَّه لأمر يحدث والتنبيه بالتسبيح جائزان وأن الاستخلاف في الصلاة لعذر جائز من طريق الأولى لأن قصاراه وقوعها بإمامين اهـ‏.‏

ومن فوائد الحديث جواز كون المرء في بعض صلاته إمامًا وفي بعضها مأمومًا‏.‏ وجواز رفع اليدين في الصلاة عند الدعاء والثناء‏.‏ وجواز الالتفات للحاجة وجواز مخاطبة المصلي بالإشارة وجواز الحمد والشكر على الوجاهة في الدين‏.‏ وجواز إمامة المفضول للفاضل‏.‏ وجواز العمل القليل في الصلاة وغير ذلك من الفوائد‏.‏

2 - وعن عائشة قالت‏:‏ ‏(‏مرض رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم فقال‏:‏ مروا أبا بكر يصلي بالناس فخرج أبو بكر يصلي فوجد النبي صلى اللَّه عليه وسلم في نفسه خفة فخرج يهادي بين رجلين فأراد أبو بكر أن يتأخر فأومأ إليه النبي صلى اللَّه عليه وسلم أن مكانك ثم أتيا به حتى جلس إلى جنبه عن يسار أبي بكر وكان أبو بكر يصلي قائمًا وكان رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله وسلم يصلي قاعدًا يقتدي أبو بكر بصلاة رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله وسلم والناس بصلاة أبي بكر‏)‏‏.‏

متفق عليه‏.‏ وللبخاري في رواية‏:‏ ‏(‏فخرج يهادى بين رجلين في صلاة الظهر‏)‏ ولمسلم‏:‏ ‏(‏وكان النبي صلى اللَّه عليه وسلم يصلي بالناس وأبو بكر يسمعهم التكبير‏)‏‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏مرض رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم‏)‏ هو مرض موته صلى اللَّه عليه وسلم‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏مروا أبا بكر‏)‏ استدل بهذا على أن الأمر بالأمر بالشيء يكون أمرًا به كما ذهب إلى ذلك جماعة من أهل الأصول وأجاب المانعون بأن المعنى بلغوا أبا بكر أني أمرته والمبحث مستوفى في الأصول‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏فخرج أبو بكر‏)‏ فيه حذف دل عليه سياق الكلام والتقدير فأمروه فخرج‏.‏ وقد ورد مبينًا في بعض روايات البخاري بلفظ‏:‏ ‏(‏فأتاه الرسول فقال له‏:‏ إن رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله وسلم يأمرك أن تصلي بالناس فقال أبو بكر وكان رقيقًا‏:‏ يا عمر صل بالناس فقال له عمر‏:‏ أنت أحق بذلك‏)‏‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏فوجد النبي صلى اللَّه عليه وآله وسلم في نفسه خفة‏)‏ يحتمل أنه صلى اللَّه عليه وآله وسلم وجد الخفة في تلك الصلاة بعينها ويحتمل ما هو أعم من ذلك‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏يهادى‏)‏ بضم أوله وفتح الدال أي يعتمد على الرجلين متمايلًا في مشيه من شدة الضعف والتهادي التمايل في المشي البطيء‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏بين رجلين‏)‏ في البخاري أنهما العباس بن المطلب وعلي بن أبي طالب سلام اللَّه عليهما‏.‏ وفي رواية له‏:‏ ‏(‏أنه خرج بين بريرة وثوبية‏)‏ قال النووي‏:‏ ويجمع بين الروايتين بأنه خرج من البيت إلى المسجد بين هاتين ومن ثم إلى مقام المصلي بين العباس وعلي‏.‏ أو يحمل على التعدد ويدل على ذلك ما في رواية الدارقطني أنه صلى اللَّه عليه وسلم خرج بين أسامة بن زيد والفضل بن العباس‏.‏

قال الحافظ‏:‏ وأما ما في صحيح مسلم أنه صلى اللَّه عليه وسلم خرج بين الفضل بن العباس‏.‏ وعلي فذلك في حال مجيئه صلى اللَّه عليه وسلم إلى بيت عائشة‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏ثم أتيا به‏)‏ في رواية للبخاري‏:‏ ‏(‏ثم أتى به‏)‏ وفي رواية له أن ذلك كان بأمره ولفظها‏:‏ ‏(‏فقال أجلساني إلى جنبه فأجلساه‏)‏‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏عن يسار أبي بكر‏)‏ فيه رد على القرطبي حيث قال‏:‏ لم يقع في الصحيح بيان جلوسه صلى اللَّه عليه وسلم هل كان عن يمين أبي بكر أو عن يساره‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏يقتدي أبو بكر بصلاة النبي صلى اللَّه عليه وسلم‏)‏ فيه أن النبي صلى اللَّه عليه وآله وسلم كان إمامًا وأبو بكر مؤتمًا به وقد اختلف في ذلك اختلافًا شديدًا كما قال الحافظ ففي رواية لأبي داود‏:‏ ‏(‏أن رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم كان المقدم بين يدي أبي بكر‏)‏ وفي رواية لابن خزيمة في صحيحه عن عائشة‏:‏ ‏(‏أنها قالت من الناس من يقول كان أبو بكر المقدم بين يدي رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم ومنهم من يقول كان النبي صلى اللَّه عليه وسلم المقدم‏)‏ وأخرج ابن المنذر من رواية مسلم بن إبراهيم عن شعبة بلفظ‏:‏ ‏(‏أن النبي صلى اللَّه عليه وسلم صلى خلف أبي بكر‏)‏‏.‏

وأخرج ابن حبان بلفظ‏:‏ ‏(‏كان أبو بكر يصلي بصلاة النبي صلى اللَّه عليه وسلم والناس يصلون بصلاة أبي بكر‏)‏ وأخرج الترمذي والنسائي وابن خزيمة عنها بلفظ‏:‏ ‏(‏أن النبي صلى اللَّه عليه وسلم صلى خلف أبي بكر‏)‏ قال في الفتح‏:‏ تضافرت الروايات عن عائشة بالجزم بما يدل على أن النبي صلى اللَّه عليه وسلم كان هو الإمام في تلك الصلاة ثم قال بعد أن ذكر الاختلاف فمن العلماء من سلك الترجيح فقدم الرواية التي فيها أن أبا بكر كان مأمومًا للجزم بها في رواية أبي معاوية وهو أحفظ في حديث الأعمش من غيره‏.‏ ومنهم من عكس ذلك فقدم الرواية التي فيها أنه كان إمامًا‏.‏ ومنهم من سلك الجمع فحمل القصة على التعدد والظاهر من رواية حديث الباب المتفق عليها أن النبي صلى اللَّه عليه وسلم كان إمامًا وأبو بكر مؤتمًا لأن الإقتداء المذكور المراد به الائتمام ويؤيد ذلك رواية مسلم التي ذكرها المصنف بلفظ‏:‏ ‏(‏وكان النبي صلى اللَّه عليه وسلم يصلي بالناس وأبو بكر يسمعهم التكبير‏)‏ وقد استدل بحديث الباب القائلون بجواز ائتمام القائم بالقاعد وسيأتي بسط الكلام في ذلك في باب إقتداء القادر على القيام بالجالس‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وأبو بكر يسمعهم التكبير‏)‏ فيه دلالة على جواز رفع الصوت بالتكبير لإسماع المؤتمين وقد قيل إن جواز ذلك مجمع عليه ونقل القاضي عياض عن بعض المالكية أنه يقول ببطلان صلاة المسمع‏.‏

 باب من صلى في المسجد جماعة بعد إتمام الحي

1 - عن أبي سعيد‏:‏ ‏(‏أن رجلًا دخل المسجد وقد صلى رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم بأصحابه فقال رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم‏:‏ من يتصدق على ذا فيصلي معه فقام رجل من القوم فصلى معه‏)‏‏.‏

رواه أحمد وأبو داود والترمذي بمعناه‏.‏ وفي رواية لأحمد‏:‏ ‏(‏صلى رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم بأصحابه الظهر فدخل رجل‏)‏ وذكره‏.‏

الحديث أخرجه أيضًا الحاكم والبيهقي وابن حبان وحسنه الترمذي قال‏:‏ وفي الباب عن أبي أمامة وأبي موسى والحكم بن عمير انتهى‏.‏ وأحاديثهم بلفظ‏:‏ ‏(‏الاثنان فما فوقهما جماعة‏)‏‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏أن رجلًا دخل المسجد‏)‏ لفظ أبي داود‏:‏ ‏(‏أن رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم أبصر رجلًا يصلي وحده‏)‏‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏من يتصدق‏)‏ لفظ أبي داود‏:‏ ‏(‏ألا رجل يتصدق‏)‏ ولفظ الترمذي‏:‏ ‏(‏أيكم يتجر على هذا‏)‏‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏فقام رجل من القوم فصلى معه‏)‏ هو أبو بكر الصديق كما بين ذلك ابن أبي شيبة‏.‏

والحديث يدل على مشروعية الدخول مع من دخل في الصلاة منفردًا وإن كان الداخل معه قد صلى في جماعة‏.‏ قال ابن الرفعة‏:‏ وقد اتفق الكل على أن من رأى شخصًا يصلي منفردًا لم يلحق الجماعة فيستحب له أن يصلي معه وإن كان قد صلى في جماعة وقد استدل الترمذي بهذا الحديث على جواز أن يصلي القوم جماعة في مسجد قد صلى فيه قال‏:‏ وبه يقول أحمد وإسحاق وقال آخرون من أهل العلم‏:‏ يصلون فرادى وبه يقول سفيان ومالك وابن المبارك والشافعي انتهى‏.‏

قال البيهقي‏:‏ وقد حكى ابن المنذر كراهية ذلك عن سالم بن عبد اللَّه وأبي قلابة وابن عون وأيوب والبتي والليث بن سعد والأوزاعي وأصحاب الرأي وقد استدل بهذا الحديث أيضًا على أن من صلى جماعة ثم رأى جماعة يصلون يستحب له أن يصليها معهم وقد تقدم البحث عن ذلك‏.‏

واستدل به أيضًا على أن أقل الجماعة اثنان وعلى أنها غير واجبة لعدم إنكاره على الرجل المتأخر عنها لما دخل وحده وقد قدمنا الكلام على ذلك والحديث من مخصصات حديث‏:‏ ‏(‏لا تعاد صلاة في يوم مرتين‏)‏ كما تقدم ‏.‏

 باب المسبوق يدخل مع الإمام على أي حال كان ولا يعتد بركعة لا يدرك ركوعها

1 - عن أبي هريرة قال‏:‏ ‏(‏قال رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم‏:‏ إذا جئتم إلى الصلاة ونحن سجود فاسجدوا ولا تعدوها شيئًا ومن أدرك الركعة فقد أدرك الصلاة‏)‏‏.‏

رواه أبو داود‏.‏

2 - وعن أبي هريرة‏:‏ ‏(‏أن النبي صلى اللَّه عليه وسلم قال‏:‏ من أدرك ركعة من الصلاة مع الإمام فقد أدرك الصلاة‏)‏‏.‏

أخرجاه‏.‏

3 - وعن علي بن أبي طالب ومعاذ بن جبل قالا‏:‏ ‏(‏قال رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم‏:‏ إذا أتى أحدكم الصلاة والإمام على حال فليصنع كما يصنع الإمام‏)‏‏.‏

رواه الترمذي‏.‏

الحديث الأول أخرجه أيضًا ابن خزيمة في صحيحه والحاكم في المستدرك وقال صحيح‏.‏

والحديث الثاني عزاه المصنف إلى الشيخين وقد طول الحافظ الكلام عليه في التلخيص فليراجع‏.‏

والحديث الثالث قال في التلخيص‏:‏ فيه ضعف وانقطاع‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏فاسجدوا‏)‏ فيه مشروعية السجود مع الإمام لمن أدركه ساجدًا‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏ولا تعدوها شيئًا‏)‏ بضم العين وتشديد الدال أي وافقوه في السجود ولا تجعلوا ذلك ركعة‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏ومن أدرك الركعة‏)‏ قيل المراد بها هنا الركوع وكذلك قوله في حديث أبي هريرة‏:‏ ‏(‏من أدرك ركعة من الصلاة‏)‏ فيكون مدرك الإمام راكعًا مدركًا لتلك الركعة وإلى ذلك ذهب الجمهور وقد بسطنا الكلام في ذلك في باب ما جاء في قراءة المأموم وإنصاته وبينا ما نظنه الصواب‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏فقد أدرك الصلاة‏)‏ قال ابن رسلان‏:‏ المراد بالصلاة هنا الركعة أي صحت له تلك الركعة وحصل له فضيلتها انتهى‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏فليصنع كما يصنع الإمام‏)‏ فيه مشروعية دخول اللاحق مع الإمام في أي جزء من أجزاء الصلاة أدركه من غير فرق بين الركوع والسجود والقعود لظاهر قوله‏:‏ ‏(‏والإمام على حال‏)‏ والحديث وإن كان فيه ضعف كما قال الحافظ لكنه يشهد له ما عند أحمد وأبي داود من حديث ابن أبي ليلى عن معاذ‏:‏ ‏(‏قال أحيلت الصلاة ثلاثة أحوال‏)‏ فذكر الحديث وفيه‏:‏ ‏(‏فجاء معاذ فقال‏:‏ لا أجده على حال أبدًا إلا كنت عليها ثم قضيت ما سبقني قال‏:‏ فجاء وقد سبقه النبي صلى اللَّه عليه وسلم صلاته قام يقضي فقال رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم قد سن لكم معاذ فهكذا فاصنعوا‏)‏‏.‏

وابن أبي ليلى وإن لم يسمع من معاذ فقد رواه أبو داود من وجه آخر عن عبد الرحمن بن أبي ليلى قال حدثنا أصحابنا ‏(‏أن رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم‏)‏ فذكر الحديث‏.‏ وفيه‏:‏ ‏(‏فقال معاذ‏:‏ لا أراه على حال إلا كنت عليها‏)‏ الحديث‏.‏

ويشهد له أيضًا ما رواه ابن أبي شيبة عن رجل من الأنصار مرفوعًا‏:‏ ‏(‏من وجدني راكعًا أو قائمًا أو ساجدًا فليكن معي على حالتي التي أنا عليها‏)‏‏.‏

وما أخرجه سعيد بن منصور عن أناس من أهل المدينة مثل لفظ ابن أبي شيبة والظاهر أنه يدخل معه في الحال التي أدركه عليها مكبرًا معتدًا بذلك التكبير وإن لم يعتد بما أدركه من الركعة كمن يدرك الإمام في حال سجوده أو قعوده‏.‏

وقالت الهادوية‏:‏ إنه يقعد ويسجد مع الإمام ولا يحرم بالصلاة ومتى قام الإمام أحرم واستدلوا بقوله في حديث أبي هريرة‏:‏ ‏(‏ولا تعدوها شيئًا‏)‏ وأجيب عن ذلك بأن عدم الاعتداد المذكور لا ينافي الدخول بالتكبير والاكتفاء به‏.‏

 باب المسبوق يقضي ما فاته إذا سلم إمامه من غير زيادة

1 - عن المغيرة بن شعبة قال‏:‏ ‏(‏تخلفت مع رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم في غزوة تبوك فتبرز وذكر وضوءه ثم عمد الناس وعبد الرحمن يصلي بهم فصلى مع الناس الركعة الأخيرة فلما سلم عبد الرحمن قام رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم يتم صلاته فلما قضاها أقبل عليهم فقال‏:‏ قد أحسنتم وأصبتم يغبطهم أن صلوا الصلاة لوقتها‏)‏‏.‏

متفق عليه‏.‏ ورواه أبو داود قال فيه‏:‏ ‏(‏فلما سلم قام النبي صلى اللَّه عليه وسلم فصلى الركعة التي سبق بها لم يزد عليها شيئًا‏)‏ قال أبو داود‏:‏ أبو سعيد الخدري وابن الزبير وابن عمر يقولون‏:‏ ‏(‏من أدرك الفرد من الصلاة عليه سجدتا السهو‏)‏‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏في غزوة تبوك‏)‏ هي آخر غزوة غزاها رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله وسلم بنفسه وذلك في سنة تسع من الهجرة‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وذكر وضوءه‏)‏ قد تقدم في باب المعاونة في الوضوء وفي باب اشتراط الطهارة قبل اللبس‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏ثم عمد الناس‏)‏ بفتح العين المهملة والميم بعدها دال مهملة أي قصد والناس مفعول به‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وعبد الرحمن يصلي بهم‏)‏ جملة حالية وفيه دليل على أنه إذا خيف فوت وقت الصلاة أو فوت الوقت المختار منها لم ينتظر الإمام وإن كان فاضلًا‏.‏ وفيه أيضًا أن فضيلة أول الوقت لا يعادلها فضيلة الصلاة مع الإمام الفاضل في غيره‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏يصلي بهم‏)‏ يعني صلاة الفجر كما وقع مبينًا في سنن أبي داود‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏صلى مع الناس الركعة الأخيرة‏)‏ فيه فضيلة لعبد الرحمن بن عوف إذ قدمه الصحابة لأنفسهم في صلاتهم بدلًا من نبيهم وفيه فضيلة أخرى له وهي إقتداؤه صلى اللَّه عليه وآله وسلم به‏.‏ وفيه جواز إئتمام الإمام أو الوالي برجل من رعيته وفيه أيضًا تخصيص لقوله صلى اللَّه عليه وآله وسلم‏:‏ ‏(‏لا يؤمنَّ أحد في سلطانه إلا بإذنه‏)‏ يعني أو إلا أن يخاف خروج أول الوقت‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏يتم صلاته‏)‏ فيه متمسك لمن قال أن ما أدركه المؤتم مع الإمام أول صلاته وقد تقدم الكلام على ذلك‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏قد أصبتم وأحسنتم‏)‏ فيه جواز الثناء على من بادر إلى أداء فرضه وسارع إلى عمل ما يجب عليه عمله‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏يغبطهم‏)‏ فيه أن الغبطة جائزة وأنها مغايرة للحسد المذموم‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏لم يزد عليها شيئًا‏)‏ أي لم يسجد سجدتي السهو فيه دليل لمن قال ليس على المسبوق ببعض الصلاة سجود قال ابن رسلان‏:‏ وبه قال أكثر أهل العلم ويؤيد ذلك قوله صلى اللَّه عليه وسلم‏:‏ ‏(‏وما فاتكم فأتموا‏)‏ وفي رواية ‏(‏فاقضوا‏)‏ ولم يأمر بسجود سهو‏.‏

وذهب جماعة من أهل العلم منهم من ذكر المصنف راويًا عن أبي داود ومنهم عطاء وطاوس ومجاهدًا وإسحاق إلى أن كل من أدرك وترًا من صلاة إمامه فعليه أن يسجد للسهو لأنه يجلس للتشهد مع الإمام في غير موضع الجلوس ويجاب عن ذلك بأن النبي صلى اللَّه عليه وآله وسلم جلس خلف عبد الرحمن ولم يسجد ولا أمر به المغيرة وأيضًا ليس السجود إلا للسهو ولا سهو هنا وأيضًا متابعة الإمام واجبة فلا يسجد لفعلها كسائر الواجبات‏.‏

 باب من صلى ثم أدرك جماعة فليصلها معهم نافلة

فيه عن أبي ذر وعبادة ويزيد بن الأسود عن النبي صلى اللَّه عليه وآله وسلم وقد سبق‏.‏

1 - وعن محجن بن الأدرع قال‏:‏ ‏(‏أتيت النبي صلى اللَّه عليه وسلم وهو في المسجد فحضرت الصلاة فصلى يعني ولم أصل فقال لي‏:‏ ألا صليت قلت‏:‏ يا رسول اللَّه إني قد صليت في الرحل ثم أتيتك قال‏:‏ فإذا جئت فصل معهم واجعلها نافلة‏)‏‏.‏

رواه أحمد‏.‏

2 - وعن سليمان مولى ميمونة قال‏:‏ ‏(‏أتيت على ابن عمر وهو بالبلاط والقوم يصلون في المسجد فقلت‏:‏ ما يمنعك أن تصلي مع الناس قال‏:‏ إني سمعت رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم يقول‏:‏ لا تصلوا صلاة في يوم مرتين‏)‏‏.‏

رواه أحمد وأبو داود والنسائي ‏.‏

حديث أبي ذر وحديث عبادة اللذين أشار إليهما المصنف تقدما في باب بيان أن من أدرك بعض الصلاة في الوقت فإنه يتمها من أبواب الأوقات‏.‏

وحديث يزيد بن الأسود تقدم في باب الرخصة في إعادة الجماعة‏.‏ وحديث محجن أخرجه أيضًا مالك في الموطأ والنسائي وابن حبان والحاكم‏.‏ وحديث ابن عمر أخرجه أيضًا مالك في الموطأ وابن خزيمة وابن حبان‏.‏

ـ وفي الباب ـ أحاديث قدمنا ذكرها في باب الرخصة في إعادة الجماعة‏.‏

وحديث محجن وما قبله من الأحاديث التي أشار إليها المصنف تدل على مشروعية الدخول في صلاة الجماعة لمن كان قد صلى تلك الصلاة ولكن ذلك مقيد بالجماعات التي تقام في المساجد لما في حديث يزيد بن الأسود المتقدم بلفظ‏:‏ ‏(‏ثم أتيتما مسجد جماعة فصليا‏)‏ وقد وقع الخلاف بين أهل العلم هل الصلاة المفعولة مع الجماعة هي الفريضة أم الأولى وقد قدمنا بسط الكلام في ذلك في باب الرخصة في إعادة الجماعة وقدمنا أيضًا أن أحاديث مشروعية الدخول في الجماعة مخصصة لعموم أحاديث النهي عن الصلاة بعد العصر وبعد الفجر لما تقدم في حديث يزيد بن الأسود أن ذلك كان في صلاة الصبح وقدمنا أيضًا أن أحاديث الدخول مع الجماعة مخصصة لحديث ابن عمر المذكور في الباب‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وهو بالبلاط‏)‏ هو موضع مفروش بالبلاط بين المسجد والسوق بالمدينة كما تقدم‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏لا تصلوا صلاة في يوم مرتين‏)‏ لفظ النسائي‏:‏ ‏(‏لا تعاد الصلاة في يوم مرتين‏)‏ وقد تمسك بهذا الحديث القائلون أن من صلى في جماعة ثم أدرك جماعة لا يصلي معهم كيف كانت لأن الإعادة لتحصيل فضيلة الجماعة وقد حصلت له وهو مروي عن الصيدلاني والغزالي وصاحب المرشد‏.‏ قال في الاستذكار‏:‏ اتفق أحمد بن حنبل وإسحاق بن راهويه على أن معنى قوله صلى اللَّه عليه وسلم‏:‏ ‏(‏لا تصلوا صلاة في يوم مرتين‏)‏ أن ذلك أن يصلي الرجل صلاة مكتوبة عليه ثم يقوم بعد الفراغ منها فيعيدها على جهة الفرض أيضًا وأما من صلى الثانية مع الجماعة على أنها نافلة إقتداء بالنبي صلى اللَّه عليه وسلم في أمره بذلك فليس ذلك من إعادة الصلاة في يوم مرتين لأن الأولى فريضة والثانية نافلة فلا إعادة حينئذ‏.‏

 باب الأعذار في ترك الجماعة

1 - عن ابن عمر‏:‏ ‏(‏عن النبي صلى اللَّه عليه وسلم أنه كان يأمر المنادي فينادي بالصلاة ينادي صلوا في رحالكم في الليلة الباردة وفي الليلة المطيرة في السفر‏)‏‏.‏

متفق عليه‏.‏

2 - وعن جابر قال‏:‏ ‏(‏خرجنا مع رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم في سفر فمطرنا فقال‏:‏ ليصل من شاء منكم في رحله‏)‏‏.‏

رواه أحمد ومسلم وأبو داود والترمذي وصححه‏.‏

3 - وعن ابن عباس‏:‏ ‏(‏أنه قال لمؤذنه في يوم مطير إذا قلت أشهد أن محمدًا رسول اللَّه فلا تقل حي على الصلاة قل صلوا في بيوتكم قال‏:‏ فكأن الناس استنكروا ذلك فقال‏:‏ أتعجبون من ذا فقد فعل ذا من هو خير مني يعني النبي صلى اللَّه عليه وسلم أن الجمعة عزمة وأني كرهت أن أحرجكم فتمشوا في الطين والدحض‏)‏‏.‏

متفق عليه‏.‏ ولمسلم‏:‏ ‏(‏أن ابن عباس أمر مؤذنه في يوم جمعة في يوم مطير‏)‏ بنحوه‏.‏

وفي الباب عن سمرة عند أحمد‏.‏ وعن أسامة عند أبي داود والنسائي‏.‏ وعن عبد الرحمن بن سمرة أشار إليه الترمذي‏.‏ وعن عتبان بن مالك عند الشيخين والنسائي وابن ماجه‏.‏ وعن نعيم النحام عند أحمد‏.‏ وعن أبي هريرة عند ابن عدي في الكامل‏.‏ وعن صحابي لم يسم عند النسائي‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏يأمر المنادي‏)‏ في رواية للبخاري ومسلم‏:‏ ‏(‏يأمر المؤذن‏)‏ وفي رواية للبخاري‏:‏ ‏(‏يأمر مؤذنًا‏)‏‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏ينادي صلوا في رحالكم‏)‏ في رواية للبخاري‏:‏ ‏(‏ثم يقول على أثره‏)‏ يعني أثر الآذان ألا صلوا في الرحال وهو صريح في أن القول المذكور كان بعد فراغ الآذان‏.‏

وفي رواية لمسلم بلفظ‏:‏ ‏(‏في آخر ندائه‏)‏ قال القرطبي‏:‏ يحتمل أن يكون المراد في آخره قبل الفراغ منه جمعًا بينه وبين حديث ابن عباس المذكور في الباب وحمل ابن خزيمة حديث ابن عباس على ظاهره وقال‏:‏ إنه يقال ذلك بدلًا من الحيعلة نظرًا إلى المعنى لأن معنى حي على الصلاة هلموا إليها ومعنى الصلاة في الرحال تأخروا عن المجيء فلا يناسب إيراد اللفظين معًا لأن أحدهما نقيض الآخر‏.‏

قال الحافظ‏:‏ ويمكن الجمع بينهما ولا يلزم منه ما ذكر بأن يكون معنى الصلاة في الرحال رخصة لمن أراد أن يترخص ومعنى هلموا إلى الصلاة ندب لمن أراد أن يستكمل الفضيلة ولو بحمل المشقة‏.‏

ويؤيد ذلك حديث جابر عند مسلم قال‏:‏ ‏(‏خرجنا مع رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله وسلم فمطرنا فقال‏:‏ ليصل من شاء منكم في رحله‏)‏‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏في رحالكم‏)‏ قال أهل اللغة‏:‏ الرحل المنزل وجمعه رحال سواء كان من حجر أو مدر أو خشب أو وبر أو صوف أو شعر أو غير ذلك‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏في الليلة الباردة وفي الليلة المطيرة‏)‏ في رواية للبخاري‏:‏ ‏(‏في الليلة الباردة أو المطيرة‏)‏ وفي أخرى له‏:‏ ‏(‏إذا كانت ليلة ذات برد ومطر‏)‏ وفي صحيح أبي عوانة‏:‏ ‏(‏ليلة باردة أو ذات مطر أو ذات ريح‏)‏ وفيه أن كلًا من الثلاثة عذر في التأخر عن الجماعة ونقل ابن بطال فيه الإجماع لكن المعروف عند الشافعية أن الريح عذر في الليل فقط‏.‏

وظاهر الحديث اختصاص الثلاثة بالليل وفي السنن من طريق أبي إسحاق عن نافع في هذا الحديث في الليلة المطيرة والغداة القرة وفيها بإسناد صحيح من حديث أبي المليح عن أبيه أنهم مطروا يومًا فرخص لهم‏.‏ وكذلك في حديث ابن عباس المذكور في الباب في يوم مطير‏.‏ قال الحافظ‏:‏ ولم أر في شيء من الأحاديث الترخيص لعذر الريح في النهار صريحًا‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏ليصل من شاء منكم في رحله‏)‏ فيه التصريح بأن الصلاة في الرحال لعذر المطر ونحوه رخصة وليست بعزيمة‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏في يوم مطير‏)‏ في رواية للبخاري‏:‏ ‏(‏في يوم رزغ‏)‏ بفتح الراء وسكون الزاي بعدها غين معجمة‏.‏ قال في المحكم‏:‏ الرزغ الماء القليل وقيل إنه طين ووحل وفي رواية له ولابن السكن في يوم ردغ بالدال بدل الزاي‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏إذا قلت أشهد أن محمدًا رسول اللَّه فلا تقل حي على الصلاة قل صلوا في بيوتكم‏)‏ في رواية للبخاري‏:‏ ‏(‏فلما بلغ المؤذن حي على الصلاة فأمره أن ينادي الصلاة في الرحال‏)‏ وفيه دليل على أن المؤذن في يوم المطر ونحوه من الأعذار لا يقول حي على الصلاة بل يجعل مكانها صلوا في بيوتكم وبوب على حديث ابن عباس هذا ابن خزيمة وتبعه ابن حبان ثم المحب الطبري باب حذف حي على الصلاة‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏أن الجمعة عزمة‏)‏ بسكون الزاي ضد الرخصة‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏أن أحرجكم‏)‏ بالحاء المهملة ثم راء ثم جيم‏.‏ وفي رواية‏:‏ ‏(‏أن أخرجكم‏)‏ بالخاء المعجمة‏.‏ وفي رواية في البخاري‏:‏ ‏(‏أن أؤثمكم‏)‏ وهي ترجح رواية من روى بالحاء المهملة‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏فتمشوا‏)‏ في رواية ‏(‏فتجيؤن‏)‏ فتدوسون الطين إلى ركبكم‏)‏‏.‏

والأحاديث المذكورة تدل على الترخيص في الخروج إلى الجماعة والجمعة عند حصول المطر وشدة البرد والريح‏.‏

4 - وعن ابن عمر قال‏:‏ ‏(‏قال النبي صلى اللَّه عليه وآله وسلم‏:‏ إذا كان أحدكم على الطعام فلا يعجل حتى يقضي حاجته منه وإن أقيمت الصلاة‏)‏‏.‏

رواه البخاري‏.‏

5 - وعن عائشة قالت‏:‏ ‏(‏سمعت النبي صلى اللَّه عليه وآله وسلم يقول‏:‏ لا صلاة بحضرة طعام ولا وهو يدافع الأخبثين‏)‏‏.‏

رواه أحمد ومسلم وأبو داود‏.‏

6 - وعن أبي الدرداء قال‏:‏ ‏(‏من فقه الرجل إقباله على حاجته حتى يقبل على صلاته وقلبه فارغ‏)‏‏.‏

ذكره البخاري في صحيحه‏.‏

وفي الباب عن أنس عند الشيخين والترمذي والنسائي‏.‏ وعن سلمة بن الأكوع عند أحمد والطبراني في معجميه وفي إسناده أيوب بن عتبة قاضي اليمامة ضعفه الجمهور وعن أم سلمة عند أحمد وأبي يعلى والطبراني في الكبير وإسناده جيد‏.‏ وعن ابن عباس عند الطبراني في الكبير أيضًا وإسناده حسن‏.‏ وعن أبي هريرة عند الطبراني في الصغير والأوسط وقد تقدم الكلام على الصلاة بحضرة الطعام وذكر من ذهب إلى وجوب تقديم الأكل على الصلاة ومن قال إنه مندوب فقط ومن قيد ذلك بالحاجة ومن لم يقيد وما هو الحق في باب تقديم العشاء إذا حضر على تعجيل صلاة المغرب من أبواب الأوقات فليرجع إلى هنالك‏.‏